شهد عهدُ كلٍّ من الخليفتين أبي جعفر المنصور والمهدي عديداً من الأزمات النّاتجة عن الصّراع على منصبي ولاية العهد والخلافة، وقاما خلالها بعزل بعض أولياء العهد؛ حتّى يظلَّ منصبُ الخلافة مستمراً في أبنائهما وذريتهما، وتمخَّض عن ذلك نتائجَ خطيرةً أدَّت أحياناً إلى القتل. يأتي هذا البحث لرصد هذه الظّاهرة خلال عهد الخليفة العباسيِّ موسى الهادي (169-170هـ/785-786م)، مع التَّركيز على العلاقة بين محاولته عزل أخيه هارون عن ولاية العهد لصالح ابنه الطِّفل جعفر من جهةٍ، وملابسات وفاته من ناحيةٍ أخرى. وكان المهديُّ قد حاول من قبل تقديم ابنه هارون على الهادي في ولاية العهد، بتأثيرٍ من زوجته الخيزران، ولكنَّه لم يفلح، وراح ضحيَّة محاولته تلك. وفي أواخر عهد الهادي سلك الطَّريق ذاته، فانقسمت الدَّولة ما بين مؤيِّد ومعارض، وكاد هارون يوافق على التَّنازل عن حقِّه في ولاية العهد لصالح جعفر لولا تحريض الخيزران ويحيى البرمكيِّ، ما جعل الأمورَ تسير إلى حدِّ التَّهديد المتبادَل بالقتل، وتمخَّض عن ذلك مقتل الخليفة الهادي وتولّي أخيه هارون الرَّشيد الحكم عام 170هـ/786م.