الدور الذي يمكن أن تلعبه الهيئات المحلية الفلسطينية في تحقيق التنميـة المحلية المستدامة، ومتطلبات الحوكمة الرشيدة
Publication Type
Conference Paper
Authors

يعمل الاقتصاد الفلسطيني عموماً ضمن محددات وعوائق غاية في التعقيد؛ تجعل من مهمة النهوض به، وتنميته، وتطويره تحدياً كبيراً. وتتمثل تلك المحددات والعوائق في العديد من الأمور أهمها: تبعية الاقتصاد الفلسطيني للاقتصاد الإسرائيلي والمحددات التي يفرضها ما بات يُعرف (ببروتوكول باريس الاقتصادي)، ناهيك عن إستمرارية محدودية أداء مؤسسات القطاع العام والحاجة الى المزيد من الادارة الرشيدة في ادارتها، ووجود هيئات ومؤسسات احتكارية، وندرة المتاح من الامكانيات الوطنية؛ كالثروات الطبيعية ومصادر المياه والطاقة بسبب السيطرة الاسرائيلية عليها، ومحدودية رقعة الأرض وإستمرار تآكلها بسبب السياسات الاستيطانية الاحتلالية، وصغر السوق المحلي، وصعوبة التصدير، والتنامي المطرد في الأعباء العامة للسلطه الوطنية الفلسطينية، والتعديل المتواصل للسياسة الاقتصادية الفلسطينية الشاملة تبعاً للتدخلات والمعيقات الاسرائيلية.

 

          محصلة هذه العوائق والمحددات أوجدت معدلات نمو متواضعة لقطاعات الاقتصاد الفلسطيني المختلفة وبصورة غير متوازنة، نجم عنها تفاوت جلّي في الدخول، وازدياد معدلات الفقر والبطالة، وتقلص الطبقة الوسطى وإضعاف دورها الأساسي في بناء الاقتصاد الفلسطيني وتطويره، كل ذلك في ظل إنخفاض المساعدات الخارجية والقروض الأجنبية لدولة فلسطين إلى ما نسبته 75%. وتعزيزاً لما ذكر تبين مؤشرات أداء الاقتصاد الفلسطيني بما لا يدع مجالاً للشك ضرورة العمل الفوري والجاد على استراتيجيات التنمية المحلية المستدامة، حيث تبين آخر احصائية نشرت عام 2012 عن مستوى الفقر في فلسطين أن حوالي ربع الأفراد في فلسطين عانوا من الفقر (بنسبة بلغت 26.2%) خلال العام 2011، ومعدل البطالة كذلك يسجل ارتفاعات ملحوظة منذ ذلك العام حيث بلغ فيه 20.9% ومن ثم ارتفع إلى 23.0% في العام 2012، وصولاً إلى 23.7% في العام 2013 و 26.9% في العام 2014، وبالرغم من الانخفاض الطفيف على هذا المعدل ليصل 25.9% في العام 2015، إلا أنه ما زال يعتبر مؤشراً على سوء الوضع الاقتصادي الفلسطيني، إذا ما علمنا أنه بلغ في أوساط الشباب في الفئة العمرية 15-24 سنة 40.7%؛ بينما يتراوح هذا المعدل لدى دولة الإحتلال حول 4.3% وهو حسب رأي خبراء الاقتصاد أقل من المعدل الطبيعي للبطالة في أي اقتصاد عالمي.

 

          تلك الآثار السلبية للاحتلال الاسرائيلي على الاقتصاد الوطني الفلسطيني، وسياساته القمعية وقوانين الفصل المكاني العنصرية التي انتهجها ولا زال ينتهجها بحق الشعب الفلسطيني ومقدراته الوطنية، متزامنةً مع عوامل داخلية وأخرى خارجية، آلت إلى إضعاف قدرة الحكومة الفلسطينية المركزية والمؤسسات التابعة لها على لعب دورٍ فاعلٍ في قيادة عملية التنمية الاقتصادية الوطنية وتباعاً المحلية. فيوماً بعد يوم يتعذر على الحكومة الفلسطينية تهيئة بيئة وطنية ومحلية داعمة لتعزيز التنمية الاقتصادية عموماً، وينحسر دورها تدريجياً في كونها مُشغل لقطاعٍ واسع من الموظفين، وهذا بالضبط ما يريده الاحتلال لها من خلال سياساته الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية وتقزيم ثوابتها الوطنية وحصرها في سعي المواطن وممثليه للحصول على لقمة العيش والخدمات المعيشية الضرورية من صحة وتعليم وخلافه.

 

          في ظل هذه الأجواء، اتخذت عملية تطوير قطاع هيئات الحكم المحلي في فلسطين اهتماماً متزايداً، بدايةً لكون الهيئات المحلية على إتصال يومي ومباشر مع المواطنين وتشكل الجسم الرسمي الأقرب والأقدر على تلمس ومعرفة احتياجاتهم، وكذلك لدورها الحيوي الهام في تطوير المجتمع الفلسطيني بما يشمل العمل على تحسين نوعية الخدمات المقدمة للمواطنين في كافة مناحي الحياة والمجالات التي تتعدى تلك التقليدية المتمثلة في تقديم خدمات الكهرباء والماء، والتخطيط والتنظيم، والبنى التحتية، إلى تقديم خدمات في المجالات الاجتماعية، والاقتصاد المحلي، والصحة العامة والبيئة، والأمن وادارة الكوارث، والثقافة والرياضة وغيرها. ويمكن أن يعزى هذا الدور للهيئات المحلية إلى ارتباط المواطن الفلسطيني بهذه المؤسسات الوطنية إِبان فترة الاحتلال الاسرائيلي والتوجه إلى قياداتها، والتي كانت تأخذ في معظمها الطابع الوطني، بغية طلب يد المساعدة في حل قضاياهم والمشاكل التي تواجههم، وإستمرار تلك الممارسات حتى بعد نشوء السلطة الوطنية الفلسطينية والحكومة المركزية بوزاراتها ومؤسساتها المختلفة والتي من المفترض توليها زمام الكثير من تلك المسائل. وبالاضافة إلى ذلك فإن تعزيز مكانة الهيئات المحلية ودورها في التنمية المحلية تعتبر متطلباً وطنياً طالما ظل الاحتلال قائماً والذي لا يفّوت فرصة لاضعاف السلطة المركزية والانتفاضة الثانية خير مثال على ذلك، حيث دلت التجارب التاريخية أن الهيئات المحلية شكلت وسيلة فعالة لحماية ادارة الدولة وقت الحروب أو الأزمات، وواصلت خدمة مواطنيها في ظل انهيار أو ضعف الحكومة المركزية، فبرغم الدمار الكبير الذي مُنيت به مدينة لندن خلال الحرب العالمية الثانية ظل الجهاز الاداري للدولة يمارس أعماله بكفاءة عالية من خلال المجالس المحلية.

 

        بناءاً على ما تقدم تهدف الورقة المُخطط الاعداد لها إلى تشخيص الواقع الحالي للتنمية الاقتصادية المحلية بما فيه من نقاط قوةٍ وضعف، وفرصٍ وتحديات، وتبيان دور الذي يمكن أن تلعبه الهيئات المحلية الفلسطينية في تحقيقها، من خلال عمل تلك الهيئات على ازالة أية عقبات أو معيقات تعترض طريقها، وكذلك من خلال تعزيز مفهوم وممارسات الحوكمة الرشيدة في آليات عملها، وإمكانية وقدرتها على نسج علاقات شراكة مع القطاع الخاص بشكل يسهم في تعزيز اقتصادياتها المحلية، حيث أن دور الهيئات المحلية اليوم لم يعد مقتصراً على توفير خدمات البنية التحتية اللازمة للتنمية المحلية المستدامة، بل يتوجب عليها أن تكون شريكاً فعّالاً فيها.

 

Conference
Conference Title
المؤتمر الدولي "نزاهة وحوكمة من أجل التنمية المستدامة"
Conference Country
Palestine
Conference Date
Dec. 9, 2019 - Dec. 11, 2019
Conference Sponsor
السيد محمود عباس رئيس دولة فلسطين
Additional Info
Conference Website